كيف نكتب؟

الثيمة


* دايانا داو بتفاير

الرواية هي قصَّة تدور عن الناس، والروائي يخلق شخصيّات خياليَّة ويضعها في وضعيّات دراميَّة من اختياره.. ما دافعه؟

أظن أنه يسرد قصَّة ليوضح ثيمة تهمّه. إنَّ الكتّاب بحاجة للتعبير عن أفكارهم التي ينبغي أن تفهم، بعبارةٍ أخرى، أنّهم بحاجة إلى الاتّصال مع الآخرين. والثيمة هي عادة أساس الرواية، لذا اخترتها كنقطة بداية.

غالبا ما يخلط الناس بين الثيمة والحبكة. إنَّ الثيمة هي (موضوع) الرواية. “الوحدة، الانتقام، الخيانة، اكتشاف الذات.. على سبيل المثال”، وقد يعبّر عنها بكلمة أو في جملة. أمّا الحبكة فهي فعل القصَّة، وهي بحاجة إلى أن تتطلَّب الكثير لتلخيصها.

يقوم بناء الرواية على الصراع، والنتيجة قد تكون سعيدة، ولكن ينبغي أن تكون هناك مشكلة لأجل وضع الحبكة في الحركة. غنَّ الناس، كما تعلم، يميلون إلى خلق صعوبات لأنفسهم وللآخرين، وهذه الصعوبات بذاتها، إلى جانب امتداداتهاوحلولها، هي التي تجعل الرواية متعة مقروءة.

ولئن كانت الثيمات في أجود الروايات يتمّ التعبير عنها بكلمةٍ واحدة، فهذه الكلمة غالبا ما تكون كئيبة، ولكن هذا لا يتضمَّن أبدا أنَّ القصَّة نفسها بحاجة إلى أن تميل إلى جانب القتامة، بل يعني ذلك أنّ الرواية لا يمكنها أن توجد بدون صراع.

أن الناس القائمين يكونون شخصيّات مملَّة في القصَّة وما عليك إلا أن تتخيَّل نفسك في مطعم بصحبة زوجين سعيدين هادئين يتجاذبان اطراف الحديث بهدوء من ناحية، ومع أناس منشغلين في نقاشٍ حار من ناحية ثانية، وفي هذه الحالة، أنت تعلم أيًّا من هؤلاء تجده أكثر تشويقًا.

إذن، ماذا تدور عليه قصّتك؟ ماذا تحاول أن تقول؟ إنَّ الرواية ليست سلسلة من الأحداث مهما كانت ممتعة، ولا هي سيرة ذاتيَّة، كما أنّها ليست قصَّة حقيقيَّة، رغم إنّها تقوم على الحقيقة.

أظن أنّ من الأساس أن تختار ثيمتك (أو هي قد تختارك) التي تهمّك لسنوات عديدة. أنت لا تستطيع أن تتوقّع بأنّك بصدد كتابة رواية جيِّدة- ما عدا الرواية الخفيفة والمصطنعة- ما لم يكن موضوعها على أهمّيَّة بالغة بالنسبة إليك. إن كنّا لا نمتلك سببًا إلزاميًّا لاختيار قصَّة معيّنة، فإنّها ستكون جوفاء مهما مارسنا صنعة القصَّة.

نحن ربّما نريد أن نسرد قصّتنا ونقول من خلالها: “هذا هو ما كان”، ومع ذلك، إنَّ كل شيء كان قد حدث لك- وبخاصَّة في طفولتك- سيؤثِّر في كتابتك اليوم، وربما ستكون معاناتك ذات قيمة كبيرة، وما ستكتبه اليوم سيؤثِّر في الإنسان الذي ستكون عليه غدا.

على أيّة حال، كن حذرا من محاولة كتابة رواية تدور عن حياتك الفعليَّة: فسيكون هناك خطر كبير من الواقع وسيكون هناك وهم أقل.

إنّ الكثير من الروايات الأولى للكاتب سيرة ذاتيَّة إلى حدٍّ ما، ولكنّك لو أردت ان تستقي تجربة شخصيَّة مباشرة فتأكَّد من خلق شخصيّات وأحداث وهميَّة، حتى وإن كان يقوم بعضها على الواقع. أنا أتردَّد في إصدار مثل هذا التحذير بسبب أن لا أحد يريد أن يفرض عليه ما يكتب أو لا يكتب، ولكن الكثير من الناس لا يفهم القصَّة الحقيقيَّة لمغامراتهم لا تصنع رواية. لا تخشَ أبدا من الثيمة التي تفيض بك، أن الكاتب المكره على ثيمة ينال بالتأكيد حظًّا أكبر في النجاح.

وأظن أنّ من الخطأ أن تحجز لنفسك ثيمة حتى تبلغ الكمال في الكتابة، وحتى لو لم تنشر روايتك الأولى، فإنّك سترسي أسسًا راسخة لعملك في المستقبل.

وأحيانا يصعب صياغة ثيمة في مستهلّ الكتابة، ولكن طالما أنك في أثناء الكتابة تمتلك فكرة عامَّة عن القصَّة التي تسردها، وتشعر بها بشكلٍ عميق، فإنَّ الثيمة ستتوضَّح في أثناء اكتمال الرواية. وفي حالات معيّنة ينطلق زناد الرواية بمشهدٍ بسيط في ذهنك. إنَّ صورة رجل وامرأة يلعبان الشطرنج على ساحل البحر كانت نقطة إضاءة لروايتي الرابعة “الجسد قوي” في ذلك الوقت، لم أكن امتلك فكرة من هما، لكن المشهد كان ذا مغزى عندي على نحوٍ غريب.

 إنّ الثيمة قد لا تكون ذات منزلة في ذهنك حين تبدأ أولا في إدراك فكرة قصّتك، ولكنّني أظن أنّها تنشأ وتترعرع في أثناء تقدّمك في كتابة الرواية. واظب على سؤال نفسك: “ما الذي أحاول قوله؟”. وعند ذاك ستزيد القصَّة مطالبها على انتباهك. ينبغي لك أن تسرد حكاية مشوّقة ولكن عليك أيضا أن تبقي على ثيمتك مهما كانت مخفيّضة.

وحين تمسك قلمك لتكتب رواية، فإنّك تتحرَّك نحة منطقة جديدة. فثمَّة تغيير مستمرّ في المشهد وجوّ القصَّة وثمّة تطوّر في الشخصيَّة، ليس بالنسبة إلى الناس في روايتك ولكن بالنسبة إليك أيضا. عليك أن تغوص دونما خوف في ذلك العالم الجديد، تراه، تشمّه، تشعر به. ومن هنا تشغلك أهمّيّضة الثيمة حتى نقطة الاستغراق.

اسعَ دائمًا نحو خاصيَّة “الحقيقة الأزليَّة” التي تكمن تحت كل وضع معاصر. إنّ الفتاة التي ترتدي الجينز والجيرسيه قد تكون أكثر معاناة من ديدمونة. إنَّ الثيمات القويَّة لا تنتمي إلى عصر أو طبقة، إنّها كونيَّة.

______

*النصّ مأخوذ من كتاب (الرواية وصنعة كتابة الرواية) / ترجمة وإعداد: سامي محمد/ منشورات دار الجاحظ للنشر/ الموسوعة الصغيرة- الطبعة الأولى أيلول 1981.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى