كيف نكتب؟

تحاشَ الأسلوب المنمَّق

* جاك م. بيكهام

يحتاج القرّاء إلى الوصف في القصص التي يقرؤونها ليتخيّلوا مسرح الأحداث والشخصيَّات التي فيها- ليدخلوا في الفعل حقّا. ولكن الكتّاب قد يستطردون ويمضون بعيدًا في محاولاتهم تقديم هذه الأوصاف، وكثيرًا ما يتوقّفون لوصف أشياء مثل غروب الشمس، ويعتقدون أنّ النثر الجميل هو غاية في حدِّ ذاته- وينسون أنّهم عندما يتوقّفون عند وصف شيء طويلا تتوقّف حركة القصَّة أيضا.

كان لي صديق موهوب جدًا في كتابة القصَّة الأمريكيَّة الغربيَّة- قصَّة قصيرة ورواية- هو الراحل كليفتون آدامز. وقد خصَّص في إحدى رواياته الغربيَّة الفائزة بجائزة عدَّة صفحات لوصف الغروب. وكان ذلك انشقاقًا غربيًّا عن القواعد المتّبعة في الرواية التي يكتبها الروائيّون المحترمون.

ومع ذلك نجحت في هذا الظرف المنعزل. وقد جعل آدمز موقع القصَّة في حالةٍ توحي للقارئ بتهديدٍ صارم: إذ ما إن يحلّ الظلام حتى تكون عصابة من المجرمين المتهوّرين قد خطّطت للهجوم على معسكر البطل المنعزل وخدعته، ولهذا كانت كل كلمة في وصف الغروب ضروريَّة ومقلقة بشكلٍ مؤلم.

وفي مثل هذا الوضع الخاصّ تستطيع أن تكرّس للوصف مساحة كبيرة. ومن النكات الدائمة بين الكتّاب والناشرين نكتة عن كاتبٍ هاوٍ خصَّص مساحة أثيرة لديه لوصف شروق الشمس أو غروبها. وكلّ ما عليك أن تفعله في بعض دوائر النشر هو أن تذكر شيئًا مثل “أصابع الفجر الورديَّة” حتى ترى الابتسامات من كل جانب. وعادةً ما تكون مثل هذه الأوصاف عماد الكتابة القصصيَّة الهزيلة.

وإذا كنت تقرأ هذا الكتاب من البداية مباشرة فإنّك تعلم لماذا الأمر على هذا الحال. إنَّ القصَّة حركة والوصف سكون. إنَّ محاولة وضع وصف مطوّل لموقف أو شخص في قصّة هي أشبه بالمعضلة التي تجابه علماء الفيزياء عندما يحاولون وصف طبيعة الإليكترون. وقد وصف هذا الحال عالم متميِّز فقال: إنّك لا تستطيع ان تصف ما هو الإلكترون في لحظة معيّنة، وإذا فعلت ذلك لا تعرف بالضبط أين هو، أو تستطيع أن تحاول أن تصف مكانه ولكن في هذه الحالة لا تستطيع أن تقول ما هو بالضبط.

وأظن أن ما كان يقوله هو بكل بساطة ما يلي: إن كنت تريد أن تصف شيئًا بالتفصيل فعليك أن توقف الفعل، ولكن الوصف بلا فعل لا معنى له.

لذا فإنّك حين تبتلي قرّاءك بوصف مفصَّل تتوقَّف قصّتك. يجب أن يصاغ الوصف بعناية في شذرات ونتف لكي تُبقي على قارئك مشاهدًا عالم قصّتك وسامعًا له وشاعرا به. ولكن أرجو أن تلتفت هنا إلى أنّ اللغة يجب أن تدخل قليلا قليلا لا تكال كيلا بالصفحات.

وأنا على يقين من أنّني لست أوّل من حذّر من الوصف الشاعري وكيف أنّه يوقف حركة القصَّة، ومع ذلك فإنّ مثل هذا الوصف ما زال يظهر المرَّة تلو المرَّة في نسخة كاتب هاوٍ. وتثبت مثل هذه الشذرات شيئًا من اثنين؛ إمّا أنّ الكاتب لا يفهم طبيعة القصَّة الأساسيَّة، وإمّا أنّ الكاتب مولع بعباراته حتى صار يسمح للعجرفة أن تتغلّب على الحكمة. إنّ الكتابة الجميلة تكاد تبطئ من خطوات القصَّة وتشتّت انتباه القرّاء عن مسار القصَّة.

وأرجو أن تلاحظ أنّ الوصف يمكن أن يكون شيئًا آخر غير الكتابة حول شجرة أو عن الغروب، فالكتّاب المبتدئون يخطئون حين يوقفون كل شيء عندما يصفون أفكار شخصيَّة أو مشاعرها. وكثيرًا ما كان هذا لا يقلّ سوءًا عن أصابع الفجر الورديَّة.

ولا شكّ أنّ عليك أن ترى ما في عقل شخصيّتك وقلبها، وأن تعطي شيئًا من بصيرتك للقارئ، لكي يعرف شيئًا عن الشخصيَّة ويتعاطف معها ويتماهى مع الفعل. ومثل هذا الوصف لحال الشخصيَّة الذهنيَّة وعاطفتها هو عادة قصير نسبيًّا حتى في القصص الجيّدة، بل حتى الروائيَّة منها. ويتحدَّث الكاتب المتمكِّن من فنّه قليلا (يصف) ويستعرض كثيرًا (يظهر الفعل).

إنّ القرّاء العصريّين يريدون منك أن تحرِّك القصَّة لا أن تقف لتناقش الأشياء.

وبهذا الخصوص قد تحتاج إلى التفكير في أنظمة توصيلك القصصي. هناك طرق مختلفة لنقل معلوماتك إلى قرّائك، ولها سرعات خاصَّة بها:

  • الشرح: هذا هو أبطأ السرعات كلّها. وهو يشتمل على الإعطاء المباشر للمعلومات الحقيقيَّة. لا يحدث أي شي البتة. إنذك تعطي القارئ بيانات سير وبيانات شرعيَّة وبيانات اجتماعيَّة ونحوها. وبعض هذه تدخل في قصّتك، ولكن لا توجد حركة قصّة ما دمت تصنع معلومات موسوعيَّة.
  • الوصف: يكاد يماثله في البطء، بعض هذا ضروري، ولكن عليك أن تنتبه.
  • السرد: وهنا نرى شخصيّات على خشبة المسرح في القصَّة “الآن” وقد قدّمت أفعالها على أساس هات وخذ، لحظة بلحظة بلا تلخيص ودون إهمال شيء. ويشبه هذا مسرحيَّة، وسيكون معظم قصّتك على هذا النحو. وسنناقش هذا فيما بعد، وهذا اللون من السرد القصصي يسير بسرعة ويوفّر حركة مستمرَّة.
  • الحوار: الماس في القصَّة يتحدّثون؛ فعل قليل جدا أو فكر داخلي. أشبه بمباراة تنس سريعة الحركة إلى الأمام وإلى الوراء، ونقطة مقابل نقطة. وعندما تكون شخصيّات القصّة متوتّرة وتتحدّث بنبرات عنيفة وقصيرة، فهي سريعة جدًا وتتحرّك إلى الأمام.
  • التلخيص الدرامي: هذا هو أسرع الأشكال كلّها، وهنا تصادف المادة الدراميَّة متحرّكة، ولكنها بدلا من أن تحدث لحظة بلحظة كما هو الحال في السرد القصصي تجد أنّ عليك ان تزيد من سرعتها بتلخيصها. وفي هذه الحالة فإنّ وصف سباق السيّارات او مناظرة يحتاج إلى ستّ صفحات من السرد ويمكن أن تختصر في فقرة سريعة واحدة.

وإذا بدت لك قصصك أنّها تتحرّك ببطء شديد فيمكنك أن تحلل بعض نسخك باحثًا عن أي شكل من الكتابة تميل إلى استخدامه، فربما كنت تسرف في وصف الغروب مرّات كثيرة (بشكلٍ أو بآخر) ولم تستخدم حوارًا او تلخيصًا دراميًا أبدًا. وإذا شعرت من ناحية أخرى أنّ قصصك تنطلق بسرعة مفرطة فقد تحتاج إلى تحويل شيء من الموجز الدرامي إلى سرد قصصي أو حتّى تتوقّف (قليلا) بين الفينة والأخرى لوصف ما يبدو عليه المشهد، أو ما تفكِّر فيه أو تحسّ الشخصيَّة به.

وبهذه الطريقة يمكن أن تصبح أكثر وعيًا بميولك ككاتب قصَّة، وتبدأ في رؤية ما يساعدك من الميول وأيها يحول دون رواج قصصك. وتستطيع أن تجعل حجم ما تكتب متماشيًا مع حجم الحكاية، وتختار نظام التوصيل اللازم لتحقيق التأثير المطلوب وتبقي على حركة الحكاية. 

_____

* جاك م. بيكهام: شغل كرسي الراحل ديفيد روس بويد في جامعة أوكلاهوما، وألَّف أكثر من خمس وسبعين رواية منشورة وعددًا من المطبوعات حول حرفة القصَّة منها “المكان والمشهد والبناء”، وكتاب “كتابة روايتك وبيعها”.

** النصّ من كتاب ( أكثر 38 خطأ في الكتابة القصصيَّة.. وكيف يمكن تحاشيها) لجاك بيكهام، ترجمة: صدقي عبدالله حطاب، دار العالم العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2012.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى