كيف نكتب؟

الكتابة هي المجهول

د. حسن مدن

ما الكتابة؟ أهي التزام، أم واجب، أم عادة أم تراها رسالة؟ هل يمكن القول إنها كل ذلك، أو أن فيها حصة من كل ذلك، مع أن هذا يطرح سؤالاً آخر، وهو: ألا تبدو بعض تلك الصفات متناقضة؟ فالعادة مثلاً ليست بالضرورة واجباً أو التزاماً، والالتزام ليس بالضرورة عادة، فنحن نقوم به ملزمين، وتسكننا الرغبة في التحرر منه، كي نعود إلى مألوف العادة، إلى الحياة العادية لبقية الناس غير المشغولين بالكتابة أو المعنيين بها.

لا نعتقد أن هناك تعريفاً متفقاً عليه أو نهائياً للكتابة، فإضافة إلى الصفات التي أوردناها أعلاه للكتابة، هناك صفات أو تعريفات أو مفاهيم أخرى، أكثر من أن تحصى يمكن أن نقرن الكتابة بها. وغاوي الكتابة أو الشغوف بها، الساكن فيها والساكنة فيه، ليس بحاجة لأن يحدد أن الكتابة هي واجب أو عادة أو رسالة، فتلك أمور تالية للكتابة، وليست سابقة لها، كل ما يعرفه ويشعر به هو الرغبة التي لا تقاوم داخل نفسه لأن يكتب، أو يعبر عما في مكنون هذه النفس، وما يمليه الذهن.

أسئلة وأفكار كثيرة تستدرجنا إليها، تلقائياً، مرجريت دوراس في كتابها الموسوم «الكتابة»، وهو مجموعة قصصية، تصدّرتها القصة التي تحمل عنوان الكتاب نفسه، أي الكتابة، وفيها لم تقتصر الكاتبة على السعي لاستنباط أو استجلاء ما تعنيه الكتابة، وإنما أولت عناية خاصة لما يطلق عليه «طقوس الكتابة»، وبينها طقس العزلة الذي حوله أيضاً يختلف الكتّاب، فهل يكف الكاتب عن الكتابة إن لم يتوفر له طقس العزلة المنشود، فيما تجارب الكثير من الكتاب تفيد بالعكس؟

لكني أحببت وصف مرجريت دوراس القائل: «الكتابة هي المجهول». فنحن قبل أن نكتب لا نعرف شيئاً مما سوف نكتبه. ستقولون: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ أليس من الضروري أن يمسك الكاتب بفكرة أو مجموعة أفكار كي يشرع في كتابتها؟ فأين المجهول هنا إذن؟

الجواب سهل وصعب في نفس الوقت؛ فإذا كان صحيحاً ألا كتابة دون فكرة سابقة لها، فالصحيح أكثر هو أن الفكرة بحد ذاتها ليست هي نفسها الكتابة، من قال إن الكتابة بعد أن تنجز تصبح هي الفكرة نفسها التي منها انطلق الكاتب؟ الكتابة تتجاوز الفكرة وربما تحوّرها أيضاً، أو تنساها وتذهب إلى فكرة أخرى تماماً غير تلك أراد الكاتب، بداية، أن يكتبها، ليجد كتابته في واد والفكرة الأولى الملهمة أو المحفزة، في وادٍ آخر.

إليكم هذا التلخيص الجميل للفكرة على لسان مرجريت دوراس نفسها: «إذا كنا نعلم شيئاً مما سنكتبه قبل أن نكتبه ما كنا كتبناه».
_________
*المصدر: صحيفة الخليج.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى