*دايانا داو بتفاير
تنمو الحبكة في رسم الشخصيّات والصراع. فلو أنَّ بطلك يواجه مشكلة أساسيَّة في البداية، ولو أنّه يريد بشكلٍ يائس شيئًا صعب المنال (وهذا هو الخطّ القصصي الأساسي لمعظم الروايّات) فإنَّ سعيه الحثيث نحو النهاية، إلى جانب ما حقّقه من نجاحٍ أو فشل، سيشكِّل موضوع حبكتك. ستكون بحاجة إلى أن تدفع شخصيّاتك الرئيسة نحو حدودها المرسومة لها لو توجّب علينا ان نرى ما جبلوا عليها حقيقة، والتأزّم النهائي يؤدِّي إلى تطوّر القصَّة القويَّة.
تقول إيزاك داينون: ” ابدأ بالإحساس بوخزٍ خفيف، بنوع من الشعور بالقصَّة التي سأكتبها. بعد ذلك تأتي الشخصيّات التي تسيطر علي. ومن ثمّ أصنع القصَّة. كل ذلك ينتهي بكونه حبكة”. وهذا بالضبط ما أفعله حين أكتب.
حاول أن تجعل شخصيّاتك في نوعٍ معيِّن من وضع يثير اهتمامها حيث تتحرَّك منه إلى وضع حديد أكثر إثارة لاهتمامها. قد يكون حالة خطر جسدي، أو شيئًا غير محسوس كالخوف من الحلم، ولكن يجب أن يكون هناك دائمًا نوع من المحنة، دراما حادَّة بحدَّة السكّين في اليد، حتى ولو كان ذلك وهمًا في ذهن الشخصيَّة.
الحبكة هي في الحقيقة مسألة تؤدّي إلى مسألة أخرى. وبالنسبة إلى أنّ الفعل حين يتطوّر، يكون أشبه بعبور نهر واسع وأنت تمشي على سلسلة من أحجار ترتفع بالتدريج. والضفَّة البعيدة هي النهاية التي بنيتها بصعوبة، ولكن اللحظة الحاليَّة هي الحجارة التي أقف عليها. والجدول الجارف يجري من حولي، ولكنّي ها هنا أقف على حجارة واحدة في هذا المشهد في حين أستعدّ لقفزةٍ أخرى. وأنت حين تحاول عبور نهر لا تحاول أن ترجع إلى الوراء. ولكن أليس هذا فرقًا أساسيًّا بين الوهم والواقع؟ ففي الحياة الحقيقيَّة لا يسعنا الرجوع إلى الوراء لتغيير الأشياء والوهم قد يظهر أكثر صدقًا من الواقع نفسه، لأنّه يبتكر لأجل أن يتعرَّض أو يوضح الحقيقة في ضوء المعرفة الكبيرة والفهم العميق.
في كتابه “أركان الرواية” يقول أي. ايم. فورستر:
” لنعرف الحبكة. فقد عرفنا القصَّة على أنّها سرد الأحداث وهي مرتّبة بتسلسلها الزمني. الحبكة أيضًا سرد الأحداث، ولكن التأكيد ينصبّ على السببيَّة. فـ(الملك مات ومن ثمّ الملكة) قصَّة. (الملك مات ومن ثمّ ماتت الملكة من الأسى) حبكة. التسلسل الزمني باقٍ، لكن حسّ السببيَّة ألقى ظلّه عليه. أو مرّة ثانية: (الملكة ماتت، لا أحد يعرف السبب، حتى عرف أنَّ السبب كان من خلال حزنها على موت الملك) هذه حبكة فيها غموض.. إنّها شكل قادر على التطوّر الكبير.. الحبكة تتطلَّب ذكاءً وذاكرة أيضًا”.
هذا يدفعني على التفكير: هل كان الأسى فعلا هو الذي سبَّب موتها؟ ربما، وربما أنّها كانت تحبّ الملك حبًّا جمًّا بحيث أنّها لا تستطيع العيش دونه فماتت بقلبٍ متحطِّم. هذا يتضمَّن ضعفًا معيّنًا في الشخصيَّة. ولكن ربما كان غير الأسى. ربّما ماتت ندمًا لأنّها عاملت الملك بسوء. وربما الإشفاق الذاتي هو الذي قتلها. أو قتلها الرعب بسبب مواجهتها المسؤوليّات الملكيَّة وحدها. أو ربما اغتيلت .. هذه هي الطريقة التي نفكِّر بها حين نحلِّل شخصيّتنا تحليلًا عميقًا لأجل أن نطوّر السرد. والإجابة عن أسئلة مشابهة – بالعلاقة إلى “ملكتك” بشكلٍ خاصّ، وهي الملكة التي قد خلقتها- ستحدِّد الطريقة التي تتكشَّف فيها الحبكة.
وإذا امتلكت فكرة عن واقعة دراميَّة قد تقع في الرواية فيما بعد، وتشعر أنك تكتبها في أثناء ما تكون طريَّة فيما بعد، وتشعر أنّك تكتبها في أثناء ما تكون طريَّة في خيالك، فهذا شيء مشجّع. ومع ذلك، ينبغي أن تضع في عين الاعتبار أنّ مفهومك الكامل عن تلك الواقعة قد يتغيَّر حين يأتي الوقت لتضمّنها في الرواية.
من الخطأ الشائع وصف الحدث بشكلٍ استرجاعي أو من خلال الحديث، أو في ذاكرة شخص ما، في الوقت الذي ينبغي أن يكشف عنه كمشهد في السرد المباشر.
خذ هذا المثال من التجربة الشخصيَّة في الحياة الحقيقيَّة:
- قرأت عن اصطدام سيّارة في الصحف، هذا الحادث لا يعني عندك شيئًا كثيرًا.
- شخص ما أخبرك بالاصطدام الذي رآه، هذا يعنيك أكثر بقليل.
- أنك شهدت الاصطدام بالفعل، هذا أفضل لك.
- أنت نفسك ذو علاقة بالاصطدام.
إذا استطعت أن تتوحَّد مع شخصيّاتك وتحشرها في الرواية على نحوٍ مباشر، فإنّك ستنمّي تلك الخاصيَّة التي تجعل القارئ يشعر كما لو أنّه يعيش أحداث روايتك، وبهذا لا يستطيع أن يتخلّى عن قراءتها.
وأخيرا، أقول كلمة عن الحبكات المبتكرة. ما هي؟ وكيف نميّزها؟ كيف تدفع شخصيّاتك إلى الفعل؟ إنّك الآن تقف على أرض خطرة. والسؤال المناسب بالتأكيد هو: “ماذا تفعل الآن؟”، إنَّ الفعل ينبغي أن ينمو طبيعيًّا وحتميًّا من البناء الثابت لرسم الشخصيّات ومن الدافع. فأنت ترى القصَّة غير مكشوفة رغم أنّك ابتكرتها. ويمكن اختيار الشخصيّات والحالات في الرواية من عجلة ماكنة الحبكة (مروّض أسود يلتقي مضيفة في منجمٍ للملح في سيبيريا). إنَّ مادَّة في صحيفة يوميَّة قد تومض لك رواية جيِّدة، إذا كان الروائي مهتمًّا اهتمامًا بذلك الجانب المعيَّن من العلاقات الإنسانيَّة.
______
*النصّ مأخوذ من كتاب (الرواية وصنعة كتابة الرواية) / ترجمة وإعداد: سامي محمد/ منشورات دار الجاحظ للنشر/ الموسوعة الصغيرة- الطبعة الأولى أيلول 1981.