كيف نكتب؟

أيها الطفل الجميل.. اكتب

*إبراهيم عبد المجيد

الكتابة نوعان؛ كتابة اعتياديَّة كأن تكتب الواجب المدرسي، وتجيب عن الأسئلة كما يقول الكتاب المقرّر عليك في المدرسة. وكتابة تخصّ صاحبها وحده. هذه الكتابة الخاصَّة ليست للكبار فقط. لماذا؟ لأنّها رغبة في التعبير عن مشاعر لا ينتبه الناس لها. هذه المشاعر الجميلة حتّى لو كانت غاضبة تجعل الكاتب يتخلّص من حالات الألم وتجعله أيضًا يشبع بالفرح. الكتابة مرآة ترى فيها روحك. الكتابة قوَّة لأنّك تتغلَّب بها على ما يصيبك من الآخرين ولأنّك أيضًا تحتفل بها بالجمال في الدنيا من حولك.

الرسائل ليست أخبارًا ترسلها لكنّها مشاعر تعبر الفضاء، والكتابة عمّا حولك يعرف النّاس حين يرونها أنّهم على خطأ وأنّ هناك من يرى ما لم يروه فإذا كان قبيحًا ينتبهون إلى تغييره وإذا كان جميلًا سيرونه بعينٍ أفضل هي عين الكاتب الذي هو أنت. الكتابة لا تختصّ بسن معيَّن. فالكبير يكتب والصغير يمكن أن يكتب وأتمنَّى أن يكتب. الكبير يعرف لماذا يكتب والصغير يكتب لأنّه فرحان أو حتّى غير سعيد، وقد لا يكون له هدف من الكتابة غير أن يناجي ما يكتبه ويأتمنه على سرّه. سبب فرحه أو ألمه. ولذلك كتابة الصغير تكون أجمل لأنّها من المشاعر البريئة التي لم تتأثَّر بما حولها فلم تعرف الكذب ولا المحايلة. كتابة من البراءة مثل صوت طائر جميل.

إذا كتبت في سنّ مبكِّر ستكبر فيك النزعة إلى المعرفة لتتساوى مع المشاعر وستسأل نفسك أسئلة من نوع لماذا وكيف؟ وينمو العقل أكثر ممّا ينمو بالحفظ والتلقين. الطفل الصغير أكبر ممّا حوله رغم أنّ الكبار حوله، أهله والناس جميعًا، يريدونه أن يفعل ما يقولون له، وأن ينمو ويكبر كما يريدون له. وغالبًا لا يستمعون إلى صوت مشاعره إلا قليلًا حين يتوفَّر لهم الوقت. يريدون أن يسمعوه يقول نعم. وإذا قال لا، يقولون له أنت مخطئ ويضربون له أمثلة بالكبار وكيف نجحوا لأنّهم استمعوا في صغرهم إلى من حولهم. لكن أنت أيها الطفل ترى في الدنيا ما لا يراه الكبار. فالكبار لا يتوقّفون كثيرًا عند الحيوانات والطيور. لكنّك تراها فتسعد ولا بدّ أن تفكِّر في جمالها ويعجبك شكلها أو حركاتها.

لو كتبت عنها ستكون كتابتك عن روحها أكثر من شكلها. الأطفال هم الأقرب إلى أرواح هذه الحيوانات الجميلة والطيور. عقول الأطفال عقول بكر تميل إلى الأشياء في أصلها مثل الأشجار في الطبيعة ومثل الطيور في السماء ومثل القطط الأليفة. وأرواح الأطفال هي الوداعة التي لم تغيِّر فيها مطالب الحياة أي شيء بعد، ولا العلاقات مع الناس. عقلك أيها الطفل الجميل لا يعرف إلا الخير والجمال ويندهش أكثر من غيره ممّا يفعله الأشرار، وقد لا يجد الفرصة للكلام فتكون الكتابة تعبيرًا عمّا لا يدركه الناس. ثمّ من منّا في طفولته أو صباه وجد الفرصة أن يقول كل شيء لمن حوله. هم كثيرًا ما يكونون كما قلت منشغلين بمطالب الحياة.

إذن أيها الطفل الجميل اكتب فرحتك واكتب حزنك إذا أصابك وأتمنّى أن لا يصيبك أبدًا.

يمكن أن تلعب بحرّيَّة في البيت لكن اللعب في الملعب أجمل، واللعب في الحديقة أجمل وأجمل، أمّا الكتابة فهي أجمل الألعاب. الكتابة حرّيَّة وأعظم حرّيَّة للصغير والكبير لأنّك تكون وحدك والورقة والقلم طوع يدك أو اللاب توب أو التابليت. وزيادة على ذلك فالصغار يرون البهجة أكثر ممّا يراها الكبار المتعبون دائمًا من الحياة حولهم. هل رايت رجلاً يبتسم حين يشاهد قطّة ويقترب منها. أنتم تفعلون ذلك وتودّون لو تكلّمتم مع القطّة وكذلك الطائر. حتى في البيت لو أنّ الأسرة اقتنت طائرًا ووضعته في القفص فماذا يفعل الكبار؟ يقدّمون له الطعام والماء وينصرفون. لكن الأطفال يقفون أو يجلسون ينظرون إليه ويتمنّون لو ظلّوا طوال الوقت ينظرون إليه. لماذا؟ لأنّ روح الأطفال الجميلة أقرب إلى الطبيعة كما خلقها الله بكل مخلوقاته. وهكذا إذا كتب الطفل عن شيء جميل ازداد جماله وازدادت بهجة الطفل وأضاف للكبار بهجة وإدراكًا لشيء ينشغلون عنه كثيرًا. وما تكتبه لن يمرّ عليك ويمضي ولا تراه مرَّة أخرى.

ستراه فيما كتبت وستكون ذكراه رائعة. ومن يقرؤه من الكبار سيندهشون كيف حقًا لم ينتبهوا إلى ذلك. الكتابة التي تتيح للكبار أن يكون لهم دنيا أفضل ممّا حولهم، دنيا من خلق أيديهم فيها بشر ومشاهد من إبداعهم ستفعل ذلك للأطفال وأكثر. وسيكون إحساسك أيّها الطفل الجميل أنّ هناك دنيا يمكن أن تكون لك وحدك شيئًا رائعًا وباعثًا على الثقة بالنفس والفرح أكثر ممّا هو عند الكبار.
الكتّاب الكبار رغم أنّهم يتألمون تكون الكتابة أيضًا عملهم وواجبهم ما داموا جعلوها هدفًا. لكنّك أيها الجميل ستكون أكبر من ذلك لأنّ الحرّيَّة عندك أكبر ولست مشغولًا إلا بما تكتب عنه. ثمّ إن الكتابة ستفتح لك أبواب القراءة، ويا لها من أبواب جميلة. أنت تكبر كل يوم وتريد أن ترى أكثر ممّا حولك لتكتب عنه. فستجد نفسك مدفوعًا بروح جميلة أن تقرأ ما كتبه الآخرون. القراءة ستكون أيضًا بابًا تعود منه إلى كتابة تتطوَّر مع العمر والعقل فتأخذك الكتابة إلى عالمس واسع من الأفكار تثريها من جديد القراءة. ستكون بين أعظم شيئين إسعادًا لقلب الإنسان. الكتابة والقراءة جناحان للطيران في أفق من السعادة والدهشة معًا. وكما تندهش وتحبّ الكتاب الكبار ستكون منهم فيما بعد وتتفوّق عليهم لأنّك عرفت طريق الكتابة مبكّرًا وعرفت أيضًا طريق الحرّيَّة قبل غيرك، وحين تتقدَّم لتكتب ما حولك وأنت تكبر وينضج العقل والفكر سيظلّ فيك دائمًا شيء جميل حتّى لو صار كلّ ما حولك مزعجًا. شيء يمشي معك منذ الصغر.

الفرحة الأولى بالكتابة ستتكرّر دائمًا. ستكتشف مهما تقدّمت في العمر أنّك تفرح بما تكتب فرح الأطفال وأنّ موسيقى الفرح القديم تمشي معك. أجل فلقد كنت تفرح منذ وقت مبكِّر بما تكتب. ستكون فرحتك فيما بعد مضاعفة. سيمشي معك الإحساس بالجمال الذي رأيته قديمًا حين كانت روحك ترى قبل عقلك وسيكون كلّ ما تكتبه جميلًا حتّى لو كان عتابًا أو المًا من صديقٍ أو حبيب. وحتّى لو تقدّم العقل الذي نضج ليختار ماذا يكتب فلن يختار إلا ما يسعدك حين تكتبه وما يسعد الناس حين يقرأونه.

_________
* النصّ من كتاب ( أسطورة الكتابة.. كتاب ينقذ طفلًا) مجموعة من الكتّاب/ الدار العربيَّة للعلوم ناشرون/ الطبعة الأولى 2015.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى