* زوران جيفكوفيتش
في البداية نحنُ نكتب عن تجاربنا الشخصيَّة ومن ثمّ نحاول أن نعمّمها كي تثير اهتمام الآخرين. مهما بدونا مميّزين بالنسبة لذواتنا فنحن في الوقت نفسه مجرّد تجربة شائعة ومن المؤكَّد أنّ ما جرّبناه قد جرّبه أناس آخرون، ونعتقد أنّ في تجربتنا الشخصيَّة شيئاً مميّزاً وقد يهمّ الآخرين. نكتشف لاحقاً أنّنا يجب أن نكتب أيضاً عمّا لا نعرفه، كيف هي الشخصيّات الآخرى وشعورها تجاه العالم.
دعني أطرح مثالا:
أطلب من طلّابي أن يكتبوا قصصهم من وجهة نظر شخص من الجنس الآخر، فأسأل الطلاب الذكور أن يكتبوا عن شخصيّات أنثويَّة كي يحاولوا النظر بعيونهن إلى العالم والعكس صحيح، بالتالي يجب أن يكون كل كاتب قادرا على الكتابة ليس عن نفسه فقط بل بشكلٍ عامّ أيضا؛ أي أن يكون قادراً على الكتابة من وجهة نظر جميع البشر المحتمل أن يكونوا شخصيّات في قصصهم.
كأستاذ للكتابة الإبداعيَّة، فأنا أقول لطلابي الحقيقة في بداية المادة، أنا لا أستطيع تعليمهم الكتابة لأنه لا توجد طريقة، وإن كانت هناك طريقة لكيفيَّة كتابة النثر القصصي الجيّد لكانت الحواسيب قادرة على الكتابة. ما أستطيع تدريسه هو ما يجب ألا يفعلوه إن أرادوا أن يكونوا كتّابا جيدين، وغالبًا ما يكون ذلك كافيًا في البداية، لأنّهم لو لم يفعلوا ذلك لاحقًا فسيتعلّمون لاحقًا ما يجب عليهم أن يفعلوه ككتّاب، وهو شيء لا أستطيع تدريسه في البداية.
أتعلم ما الفرق بين الكاتب ومن ليس بكاتب؟ الكاتب يحاول ويرغب بأن يكون كاتبًا، أمّا من لا يحاول ينتهي به الأمر دون أن يعرف ما إذا كان موهوبا أو لا. حاول أن تتعامل معها ولن يكون لديك ما تخسره، إن كنت غير موهوب فلن تخسر شيئا، لكن إن كنت موهوبا ولم تجرِّب أو تتعامل مع الكتابة فستفقد كل شيء.
ما هي العجائبيَّة؟ إنّها تعني أننا نخلق عالمًا لا يتطابق بشكلٍ كامل مع عالمنا الحقيقي، فهناك بعض الاختلافات والفروق، وهناك بعض المكوّنات التي تعدّ عجابئيَّة. تخيَّل أنّها تشكّل تلك 70% من كل شيء تمّت كتابته حتى أكثر القصص واقعيَّة. بما أنّها لم تحدث فعليًّا فهي مُخترَعة وعجابئيَّة. لذا يمكن أن يقول المرء إنَّ كل الأدب هو أدب عجائبي.
يمكنك بسهولة رؤية أنَّ كتاباتي ليست خيالًا علميًّا، لأنّني لا أحاول أن أجد تفسيرًا علميًّا لعنصر العجائبيَّة الموجود فيه، وهذا ما يفعله جميع مؤلّفي الخيال العلمي دومًا. فمهما كان عنصر العجائبيَّة الموجود يحاولون دومًا العثور على تفسير علمي بيِّن أو خفي. ليس لدي ذاك الطموح الموجود بكتّاب القرن العشرين ولا أحتاج ليكون لدي ذلك المخزون العلمي خلف كتاباتي، فأنا أخترع عنصر العجائبيَّة الموجود لديّ حبًّا في اللعب فقط.
كيف يمكن أن هؤلاء القراء من كل العالم يستطيعون قراءة قصصي بسهولة، وهو أنّني لا أكتب عن مواضيع محلّيَّة تحتاج لمعرفة مسبقة كي تقرأها. تتعامل شخصيّاتي مع مع مسائل عامّة تعنينا كلّنا كبشر، وهذا هو السؤال الأساسي الذي بدأنا نسأل أنفسنا به: ما معنى الحياة؟ بالطبع لا يسأل النّاس هذا السؤال بالطريقة نفسها، لكنّه يظهر بشكله الواضح في النهاية. وحين نتساءل فلا يهمّ من أي ثقافة يبزغ السؤال أو من أي لغة أو دين؛ نحن مجرّد بشر فانين يحاولون إيجاد طريقة لإجابة هذا السؤال، وهذا أحد أعظم تحدّيات الأدب. ربّما يكون هذا السبب الأساسي لإعادة كتابتنا الأدب في المقام الأوَّل.
هناك شيء لا أذكره إلا نادرًا، وهو السبب الحقيقي لكتابتي، كي أقول ذلك ببساطة، فأنا أكتب لخداع الموت. ربما يكون السبب الأكثر أهمّيَّة لكتابتي، هو أنّني أريد فقط أن لا أرحل هكذا ببساطة، بل أن أترك رسالة ورائي، تفيد بأنه كان هناك بشري باسمي توفي ولديه شيء يخبر العالم به، وهذه طريقتي لخداع الموت.
إن استمرّ الناس بقراءة كتبي بعد أن اختفيت كإنسان عادي، فهذا سيكون انتصاري ضدّ الموت. سأبقى حيًّا ما دام قرّائي يستطيعون قراءة كتبي بعدّة ترجمات إلى لغات مختلفة، سيسمعون صوتي حتّى وإن متّ قبل فترةٍ طويلة.
ما الذي يمكن أن نتمنّاه غير هذا؟
_______
* ناقد أدبي ومؤرِّخ وكاتب صربي، ولد في 5 أكتوبر 1948 في بلغراد في صربيا. كتب أكثر من 40 كتابا، يدرّس (الأدب) الكتابة الإبداعيَّة في في كلية فقه اللغة جامعة بلغراد، من مؤلفاته المترجمة إلى العربية: (المكتبة)، و(جامع الأحلام الأرجوانية).
** النص مأخوذ من مقطع فيديو نشر على قناة إثراء في اليوتيوب، ترجمه إلى العربيَّة راضي النماصي.