كيف نكتب؟

الحوار

* دايانا داو بتفاير

لا يسعك، بالطبع، أن تكتب كل ما تقوله شخصيّاتك فعلا في ظروف معيّنة. وما عليك إلا أن تصغي إلى حوار في الحياة الحقيقيَّة يدوم خمس دقائق حتى تدرك أنّ الحديث الطبيعي سيكون مملا ولا يحتمل في الرواية.

ينبغي أن تشذِّب أحاديثك وتوجّهها نحو ما هو ضروري بالنسبة لحركة قصّتك وتحديد معالم شخصيّتك، وقد تذهب إلى رسم معالم شخصيَّة مملَّة، ولكن المشكلة هنا أنَّ القارئ سيجدها متعبة كذلك. من الممكن أن تدلّشل على أنَّ الشخصيَّة مملَّة دون أن تجعل الحوار غير مسلٍّ. الدعابة هنا مفيدة وكذلك الصراع، ولكنّك إن وجدت ذلك صعبًا، فاقرأ ما يقوله فلوبير: “لم أكتب في حياتي شيئًا أصعب من تلك الأحاديث الملأى بالتفاها؛ فالمشهد في حانة يستلزم منّي ثلاثة أشهر لأعرف كل شيء عنها، أنّني أبكي أحيانًا، وأشعر باليأس تمامًا”.

كل سطر في الحوار ينبغي أن يتتبَّع على وجه الدقَّة اهتمام الشخص، وفي الرواية الجيّدة يمكنك أن تخمِّن من الذي يتكلَّم حتّى من خلال جمل منفصلة، فلكل واحد اختياره الفردي للكلمات، وأسلوبه في تأطير ملاحظاته. فهناك على سبيل المثال عشرون طريقة مختلفة في قول “نعم”. تخيَّل رجلا طلب إليه أن يغلق الباب التي تركها نصف مفتوحة، فقد تكون إجابته: نعم، حسن، بالتأكيد، كما تريد، لم لا، بالفعل، سأفعل ذلك، بالتأكيد سأفعل. أو أنّه يلتزم جانب الصمت للدلالة على غياب الاستجابة السلبيَّة. عليك أن تعرف أيًا من هذه الإجابات تستخدمها في شخصيّاتك، معتمدًا بالطبع على الشخص الذي يطلب ذلك.

كم من الحوار ينبغي أن تقدّمه في روايتك؟ ليس هناك سطور محدَّدة وسهلة في عصر الدراما التلفزيونيَّة، حيث اعتدنا جميعًا على سماع الشخصيّات تتكلَّم طوال الوقت. أظن أنّك بحاجة إلى نسبة من الحوار، ولنقل ثلاثين في المئة، كن حذرًا في ألّا تجعل شخصيّاتك تتحدَّث كما لو أنّها تقرأ مقالة أو تخاطب تجمّعًا. كقاعدة، اجعل الأحاديث قصيرة، فالنّاس قلّما يتحدّثون طويلا دونما مقاطعة ما لم يكن هؤلاء النّاس جمهورًا مأسورًا.

لا تجعل الشخصيّات تتكلَّم في فراغ، قرِّر أين وماذا تفعل في أثناء ما تتحاور. احذر ما أسمّيه حوار البنغ بونغ (كرة المنضدة) حيث الجمل تتراجع وتتقدَّم بإيقاعٍ آلي، فالكرة في هذه اللعبة لا ترتطم في الشبكة ولا تقع أرضًا. وفي الأحاديث الاعتياديَّة، يستمرّ الناس في التوقّف، ويقاطع أحدهما الآخر، مغيّرين وجهة الحديث والموضوع، ويجيبون عن الأسئلة الخاطئة، يصابون بالدهشة ويتملّكهم الغضب… تذكَّر أنَّ قدرًا كبيرًا ممّا يقوله الناس منصبّ على (إخفاء) الحقيقة أكثر من الكشف عنها.

ومن الأفضل تجنَّب استعمال اللهجات إذ أنّها تضع صعوبات أمام القارئ في مناطق أخرى من البلاد. ومن الصواب تماما أن تجعل شخصيَّة تتكلَّم كلامًا غير فصيح لأنّها اعتادت ذلك. والشيء نفسه ينطبق على اللغة الفصحى المتماسكة. ينبغي أن تتلاءم اللغة مع الشخصيَّة… فأنت تعرض أناسًا كما هم وليس كما تريد أن يكونوا عليه. يجب على الروائي أن يسمح لمخلوقاته أن تتحدّث بمفرداتها الحقيقيَّة، ولكنّه حرّ في ممارسة تمييزه الخاصّ في اختيار الثيمة والشخصيَّة في المقام الأوَّل.

______

*النصّ مأخوذ من كتاب (الرواية وصنعة كتابة الرواية) / ترجمة وإعداد: سامي محمد/ منشورات دار الجاحظ للنشر/ الموسوعة الصغيرة- الطبعة الأولى أيلول 1981.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى