ماذا نقرأ؟

القراءة والكتابة في الألفيَّة الجديدة

*دوروثي براندي

الكاتب الشاب في الوقت الحالي لديه الكثير من المميّزات التي افتقدها الكتّاب القدماء؛ فيستطيع حاليًّا استدعاء عدد هائل من الكتب بطرف إصبعه وفي لمح البصر، والكتّاب الآن لديهم قاعدة جماهيريَّة من القرّاء حول العالم، بالإضافة للكنوز الأدبيَّة لآسيا، أمريكا اللاتينيَّة، أوروبا، وأصبح أي مكانٍ آخر حول العالم يبعد فقط مسافة تحريك الفأرة أو تحريك قدميك باتّجاه أقرب مكتبة.

أمّا الجانب السلبي لهذا الوضع، فهو أنّ كثير من الكتب الإرشاديَّة اختفت، والكثير من الكلاسيكيّات والأساسيّات لا يقرأها أحد لصعوبة لغتها أو لاسباب أخرى، الآن باستطاعة أي شخص زيارة أي مكتبة وتناول أي كتاب من قسم الأكثر مبيعًا ومباشرة يؤكِّد لك ما المشكلة “المحتملة” فيه.

الكاتب يقرأ فقط كتب في تخصّصه/ها، وفي دائرة اهتمامات معيّنة ولفترة بسيطة، هلى سبيل المثال: كتّاب روايات الرعب من أمثال روبرت اكمان وفرتز ليبير قاموا بأنفسهم ببناء الأدب الكلاسيكي وخرافات العالم القديم؛ مثل “الأموات والأحياء”، أمّا روايات هذه السنة الماضية الخاصَّة بمصّاصي الدماء. الكتّاب ما عادوا قرّاء، وبعضهم فقد الحبّ لكل الأشياء الجميلة والشهيَّة، هذا الحبّ هو ما يجعل الكاتب الموهوب كاتبًا عظيمًا.

إنّ المشكلة مرتبطة ببعض الأوهام الرئيسيَّة التي ظهرت في القرن العشرين، وتمّ تصدير الكثير منها وبدأت تعيثُ فسادًا معاديًا للثقافة حول العالم، وأصبحنا نركّز اهتمامصا غير صحيّ حول مفاهيم الفئات، والأنواع، والأشكال، وبسبب هذا التركيز الأحمق والخطير أصبح معيار الجودة الأوّل هو مدى شعبيَّة العمل الأدبي.

وأسوأ شيء هو الاضطهاد الذي نتعرّض له باسم السوق والموضة، أعرف عددًا كبيرًا من الكتّاب الشباب لا يقرأون سوى لكتّاب من فئة معيّنة، دولة معيّنة، أو فترة زمنيّضة وهذا إذا ما طلب منهم، أو إذا سمعوا عنهم من إحدى وسائل الإعلام، كذلك رأيت الكثير من الكتّاب لم يقتربوا يومًا من فولتير أو أرسطوفانيس. ما يفاجئني حقيقةً هو عندما أرى قارئًا شابًا لا يعرف مؤلّفًا معيّنًا فقط لأنّ هذا الكاتب من فترةٍ زمنيَّة أو من حركةٍ أدبيَّة أو نوع أدبيّ معيّن يراه هذا القارئ مملًّا أو غير مثير للاهتمام ( ما زلت أطّلع على كتّاب اقترحوا عليّ وأنا شاب صغير ورفضت الاطّلاع عليهم فقط لأنّي لم أعتقد بأنّهم سيثيروا اهتمامي أو أنّهم “ليسوا النوع المفضَّل لدي”).

الكتب ليست أدوية تبتلعها لأنّها “مناسبة لك” وتناسب نظامك الغذائي، ولا هي قلادات ترتديها لتري الآخرين لأي صنف، أو نوع، أو حركة أدبيَّة تنتمي، وهي بالتأكيد ليست لكي تمتّع غرورك عن طريق تأكيد الحقيقة والتفوّق لكل شيء تؤمن به، أو لكي تعيد التأكيد على الذوق الذي طوّرته مسبقًا.

الكتاب عالمٌ في جوهرة صغيرة، كونٌ لا بدّ من سبر أغواره، كونٌ من الأفكار، والألوان، والأصوات والبشر، أمّا الحقائق الخارجيَّة يمكن التأكّد منها بفتح الباب، لقد حلمت روح تنبض بالحياة بهذا الشيء ونقلته لك؛ فهل ستعامله كشيء ممكن التخلّص منه؟ كقطعة حديد ممكن أن تأخذها أو تتركها؟ هل ستشعر بنفس الشيء تجاه عملك؟ كيف تشعر بهذا الملل تجاه أعمال الآخرين وتتوقّع أن يكون عملك مثيرًا؟ إذا كنت تريد أن تصبح كاتبًا أو أي فنّان في أي مجال آخر، عليك أن تغسل نفسك من كل المفاهيم الضارَّة والمجحفة مثل الموضة، النفعيَّة، أو ما يطلبه السوق. أنت مدين لقرّائك ولمن سبقوك من الكتّاب أن ترتوي من البئر “بعمق” على قدر استطاعتك، لكي تنضج وتزهر، بدون الغرور، بدون الاكتراث بالموضة الأدبيَّة، وتتحدّى التنميط المريح، البديهيّات المبتذلة، والقيم الغير مُعاشة والطائشة، والغوغائيَّة، هناك الكثير من التجارب الجميلة في كل مناحي الحياة، وفي كل مجالات وأنواع الفنّ والأدب.

__________
*النص بتصرّف من كتاب “لياقات الكاتب” للكاتبة دوروثي براندي/ ترجمة: فريق ضاد-غزَّة/ دار كلمات للنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى 2015.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى