كيف نكتب؟

القصَّة القصيرة.. خصائصها وعناصرها

القصَّة القصيرة هي من أكثر الأجناس الأدبيَّة شيوعًا عبر التاريخ، إلا أنها تمتَّعت بخصائص وعناصر أكثر تعقيدًا في العصر الحديث.

وتأتي أسباب انتشار هذا اللون الأدبي من أنه يعالج مواضيعَ واقعيَّة على أرض الحياة، وأيضا مواضيعَ خياليَّة ذات مغزى، بشكلٍ مشوّق.

مفهوم القصَّة:

تُعرف القصَّة القصيرة بأنها مجموعة من الأحداث عن شخصيَّة أو أكثر، يرويها راوٍ ما، حسب ترتيب زمني، وترابط سببي، بصورة مشوّقة، وبأسلوبٍ يحمل اللغة الأدبيَّة النثريَّة ويعتمد السّرد والحوار، وتتطوَّر تلك الأحداث نحو الذروة ثمّ التعقيد فَالحلّ.

عناصر القصة:

  1. المكان:

المكان عنصر مهمّ من عناصر القصة، وهو في القصَّة القصيرة محدود مناسب للحدث، و يجب أن يتوافق معه ومع الحوار متناسبا مع البعد النفسي والاجتماعي للشخصيَّات وثقافتها، وقد يتعمَّد بعض الكتاب عدم تحديد مكان معين، إذ قد يجعل المكان عامّا يرتبط به مصير شعب أو مصير الإنسان بشكلٍ عام.

والمكان وفق تعريف القصَّة القصيرة يتَّفق مع المسرحيَّة الكلاسيكيَّة في كونه محدودا، بمعنى أن الزمن القصير الذي تستغرقه القصَّة القصيرة لا يحتمل انتقال الشخصيات في أماكن متباعدة تحتاج إلى وقت كبير من أجل الانتقال إليها إلا ضمن حكاية الأشخاص أو التذكُّر أو الحلم أو التوقُّع والتخيُّل.

2- الزمان:

وحدة الزمان أيضا عنصر أساس من عناصر القصَّة، وهو في القصَّة القصيرة محدود بفترة محدَّدة؛ لأنَّ أحداثها محدودة، وتتماهى في ذلك مع المسرحيَّة الكلاسيكيَّة التي تعتمد على الإيهام بالواقع، فلا تطيل زمن فضاء النصّ حتى لا يصطدم منطقيّا مع الزمن المحدود الذي تستغرقه عمليَّة عرض المسرحيَّة على الجمهور.

3- الأحداث:

تعتمد الأحداث في القصَّة القصيرة على الانتقاء، حيث تقوم على الاختيار الدقيق للأحداث اللازمة وعزلها بطريقة فنيَّة عن الأحداث الأخرى التي لا ضرورة لها، التزامًا بضيق زمن القراءة الذي يتطلَّب عرض ما يهمّ المتلقِّي في إدراك الفكرة التي يرمي إليها الكاتب دون تشتيت انتباهه وتركيزه بسرد أحداث بعيدة عن هدف القصَّة.

4- الأسلوب:

يعتمد على اللغة الأدبيَّة النثريَّة، وهي لغة مكثَّفة جدًا في القصَّة القصيرة، ويتَّخذ الأسلوب أكثر من شكل، منه: الحوار بشكل قليل نسبيّاً، والسرد الذي يتخلَّله الوصف.

5- الشخصيّات:

تعدّ الشخصيّات العمود الفقري للقصَّة؛ إذ ترتبط بها الأحداث فلا يمكن أن يقوم الحدث دون شخصيّات، ولا يشترط في الشخصيّات أن تكون إنسانيَّة، فمن الممكن أن تكون من الحيوانات أو النباتات أو الجمادات، رمزيَّة أو حقيقيَّة.

وشخصيّات القصّة نوعان: “رئيسة وثانويَّة وعابرة”، وليست القصَّة القصيرة كالرواية في حشدها لعدد كبير من الأشخاص، إذ لا تتَّسع في الغالب إلا لشخصيَّة واحدة أو شخصيتين، ورسم هذه الشخصيَّات مهمَّة صعبة تحتاج إلى براعة خاصَّة تحسِّن الاستفادة من المساحة المحدودة المسموح بكتابتها.

خصائص البناء القصصي:

1- الحبكة القصصيَّة:

يشكِّل هذا العنصر الهيكل الرئيس للقصَّة، تتوالى من خلاله الأحداث تدريجيا إلى نهايتها، ويشتمل على عدَّة خطوات أهمّها:

أ- نمو الأحداث وحركتها:

يبدأ الكاتب قصّته بحدث ما، ثمّ يطوّره حتى تصبح القصَّة حياة متدفّقة بالحركة، والقصَّة الناجحة تسير وفق حركة طبيعيَّة بعيدا عن السرعة والبطء.

ب- الصراع والعقدة:

يقدِّم بعض النقَّاد العقدة على الصراع ويجعله نتيجة لها، والحقيقة أنَّ العقدة تتكوَّن بعد أن يحسن الكاتب سرد الأحداث وفق حبكة قصصيَّة تعتمد الصراع متنامية إلى الموقف المتأزِّم المشوّق الذي ينتظر المتلقّي بشغف إلى ما سيحدث بعده، وهو ما يمكن القول عنه احتدام الصراع أو العقدة التي تحتاج إلى حلٍّ في الأحداث التالية.

ومصطلح “الصراع” يحمل هنا معنى فنيّا نقديّا ولا يراد بها معناها اللغوي الصرف بمعنى النزاع والمحاربة والمصارعة بين شخصين، وقد يكون الصراع خارجيّا بين شخصيّات القصَّة أو الأفكار والمبادئ التي يعتنقها الأشخاص أو صراعا داخليّا ينمو في الشخصيَّة ذاتها من خلال حيرتها وتردّدها بين المواقف المتباينة.

2- النهاية والحلّ:

بعد ذروة التأزّم التي تتمثَّل في نشوب العقدة تنحدر القصَّة بشكل أسرع نحو النهاية أو الحلّ المقنع الذي قد يوافق توقّعات المتلقّي وقد يفاجئه دون الخروج عن السياق الطبيعي لتطوّر أحداث القصّة؛ بل يكون الحلّ مستمدّا من سياق الأحداث، يقنع المتلقّي، ويجد له تفسيرا منطقيّا.

ويسمِّي النقاد نهاية القصَّة بلحظة التنوير، لأنّ الكاتب يحشد فيها كل قوّته، وكل فنّه وكل خبرته ليحقِّق الهدف الذي من أجله كتب قصّته.

ويلجأ بعض الكتَّاب إلى ما يسمَّى بالنهاية المفتوحة، حيث يترك المجال للمتلقِّي في وضع نهاية مناسبة للأحداث.
_____
*المصدر: جائزة نيرڤانا للأدب القصصي بتصرّف.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى