نفكّر

هل تدرك الأشياء حسيًّا كما هي عليه في الواقع أم فقط كما تبدو لك؟

“كل عالم العين والأذن العظيم ما تشكّلان نصفه كلتاهما، وما تدركانه حسّيًّا”/ الشاعر ويليام وردزورث.

إنّ معرفة نفسك من الممكن أن تكون أمرًا صعبًا. ولكن ماذا عن معرفة شيء ما آخر غير نفسك؟

لنبدأ بتناول ما يبدو ظاهريًّا على أنّه مثال بسيط- منضدة أو كرسي سوف يفي بالغرض- إذا كنت تعرف أنَّ المنضدة هي طاولة بالفعل، ينبغي أن نبدأ بما نستطيع أن نراه ونشعر به ونلمسه وهلم جرا. لذا، فإنَّ معرفة أنّ المنضدة هي منضدة تبدأ بإدراك حسّي لجسم معيَّن على أنّه منضدة.

حاول تنفيذ هذه التجربة. ينظر شخصان، أنت وصديق أو زميل في الصف، إلى منضدة. أنت تقف مباشرة فوق المنضدة، وينظر صديقك إليها من الجانب الآخر من الغرفة. الآن، يصف كل منكما ما يراه. تذكّر قم بوصف ما تراه فقط، ما تُدركه بحواسّك فعليًّا. في الفراغات أدناه، قم بوصف (أ) حجم الجسم، و(ب) شكل الجسم، و(ج) لون الجسم:

     شخص أ                                       شخص ب

  •                                           أ.
  • ب‌.                                           ب.

ج.                                            ج.

هل حصل كلاكما على التجربة البصريَّة ذاتها؟ سوف تصف جسماً له حجم معيّن، وسوف يصف الشخص الآخر جسماً له حجم مختلف، أصغر نوعاً ما ( نظراً لأنّه المسافة من صديقك إلى الجسم الأكبر). ماذا بشأن الشكل؟ سوف ترى الشكل كمستطيل، في حين أنّ المراقب الآخر سيرى الشكل كَمعين ( نظراً لأنّ زاوية الملاحظة مختلفة) وقد يصف كل منكما الجسم بأنّ له درجات لون مختلفة (إذا كانت الغرفة على سبيل المثال، مُضاءة وكان الضوء يلقي بوهج على الجسم الذي يتمّ تحليله).

يقول بيرتراند رسل ()، وهو عالم رياضيّات وفيلسوف بارز، في كتابه “مشكلات الفلسفة”، إنّنا، بالمعنى الدقيق، نعرف فقط المعلومات التي تصلنا عن طريق حواسّنا، مثل اللون والشكل والإحساس بالجسم. لذا عندما نرى الأشياء، لا نكون على اتّصال مباشر معها، وإنّما فقط مع خبرتنا الخاصَّة بتلك الأشياء. وقد أطلق الفلاسفة بمن فيهم رسل، على هذه الخبرات “بيانات- الإحساس sense data” (كلمة dataجمع، من اللاتيني. المفرد هي sense-datum. لذا، بيانات- الإحساس هي أي معلومات تُعطى للحواس).

ولكن نظرًا لأنّ الناس لديهم بيانات- إحساس مختلفة للجسم ذاته، تصبح هناك مشكلة فيما إذا كانت بيانات- الإحساس هذه تشير إلى الشيء ذاته. فبالرغم من كل شيء، ونظرًا لأنّ بيانات- الإحساس تختلف، لماذا ينبغي أن تكون تجربة شخص ما مميّزة أكثر من تجربة أي شخص آخر؟ وفي الواقع، كيف نعرف بأنّ الجسم الذي ننظر إليه هو بالفعل الجسم ذاته بالنسبة لكل شخص؟

إذن يبدو، على الرغم من أنذنا قد نكون قادرين على إثبات حقيقة أنّ الجسم هو ذاته، أنّه لا يمكننا أن نُدرك حسّيًّا أنّه هو الجسم ذاته. إنّ ما يدركه كل شخص حسّيًّا يكون خصوصيًّا بالنسبة لذلك الشخص. وبيانات- الإحساس تلك تنتمي فقط إلى شخص واحد، ومن الممكن أنّها مختلفة عن الإدراكات الحسّيَّة لكل شخص آخر غيره. في الواقع، وحتى ما يعتبر أكثر غرابة، كيف يمكننا أن نكون موقنين بأنّ ما تخبرنا به حواسّنا يُشير إلى جسم موجود في المقام الأوّل؟

هذه إحدى الطرق لمقاربة مشكلة المظهر والحقيقة. إنّ ما يظهر لنا عبر حواسّنا قد يكون بالتأكيد حقيقيًّا، ولكن كيف يمكننا أن نعرف أنّ مثل هذه المظاهر تشير فعليًّا إلى الحقيقة؟ لقد أخذ كثير من الفلاسفة هذه المشكلة على محمل الجدّ إلى حدٍّ كبير نظراً لأنّ الجواب عن هذا السؤال سوف يحدّد (أ) ما هي أنواع الأشياء التي سوف يعتبر الفيلسوف أنّها حقيقيَّة وكذلك (ب) ما هي أنواع الأشياء التي تبدو فقط أنّها حقيقيَّة، ولكنّها ليست كذلك.

وقد ظننتَ أنّه ليس هناك أي شيء غامض ومحيِّر بشأن النظر إلى منضدة عاديَّة بسيطة.

لمزيد من التفكير:

  1. أي نوع من الأدلَّة من الممكن استخدامه لتحديد ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي؟ على سبيل المثال، هل الأرقام حقيقيَّة؟ هل الأفكار حقيقيَّة بالطريقة ذاتها التي تكون فيها الأرقام حقيقيَّة؟
  2. إذا قمت بتفحّص المنضدة بمجهر، ما الذي ستراه؟ هل بيانات- الإحساس هذه موثوقة في الكشف عن ما هي المنضدة أكثر مما تستطيع أن تراه من خلال النظر إلى المنضدة بعينيك؟

_______

* المادّة من كتاب (الفلسفة للفتيان-40 سؤالا تساعدك على التساؤل عن كلِّ شيء)/ الدكتور ديفيد إيه.وايت/ دار الأهليَّة للنشر والتوزيع/ الطبعة العربيَّة الأولى، 2018.

مقالات ذات صلة

شارك النقاش

زر الذهاب إلى الأعلى